الكذب عند الأطفال | ما هي أسبابه طرق العلاج
من منا لا يذكر قصة الطفل الذي كان يدعي الغرق للفت الأنظار في كل مرة، إلى أن كاد يغرق بالفعل، وأنقذه من حوله في اللحظات الأخيرة، ولعلها واحدة من القصص الشهيرة التي كانت تحكى لنا لمعرفة عواقب الكذب عند الأطفال، وكيف يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى الهلاك، ومما لا شك فيه أنكِ تروين هذه القصة عزيزتي إلى أطفالك الذين رزقك الله بهم، ولكن القصص وحدها لا تكفي، حيث ينبغي عليكِ أن تعرفي الأسباب والدوافع التي قد تدفع بطفلك إلى الكذب، ومعرفة الحلول التي تساعدك على القضاء على تلك المشكلة، وهو ما يتكفل به هذا المقال.
تعريف الكذب عند الأطفال
عرّف علماء الطب النفسي الكذب عند الأطفال على أنه عملية إنكار الأفعال والتصرفات الخاطئة التي يقومون بها، أملاً في تجنب العواقب، والهروب من العقاب، ويمكن اعتباره أمراً بديهياً يحدث نتيجة مشاهدة الأطفال البالغين يقومون بنفس الأمر، إلا أنه مع تكرار كذب الطفل تتحول إلى مشكلة، وإن لم يتم التعامل معها بحرص وبكثير من العقلانية، ستتحول إلى مرض متأصل سيكون من الصعب التخلص منه.
أسباب الكذب عند الأطفال
تختلف الدوافع والأسباب التي تدفع بطفلك إلى الكذب، فهو يعتبر أمراً طبيعياً في سنوات عمره الأولى، ويرتبط بشكل كبير بمدى ذكائه، ولكن بالطبع تريدين الأفضل دائماً لطفلك، وقول الصدق والتفكير كما يفعل البالغين، ولكن الخطوة الأولى نحو تحقيق مرادك هو معرفة الأسباب التي تدفعه إلى الكذب في كثير من المواقف، والتي تتمثل في التالي:
الهروب من العقاب
عقاب الأطفال واحد من أهم أسباب الكذب عند الأطفال، فالخوف من العقاب وعدم القدرة على المواجهة، خاصة وإن كنتِ تقومين بالضرب المبرح أو التعنيف المبالغ فيه، بالإضافة إلى اتباع سياسة الأمر والنهي دون احترام لعقلية الطفل، أو إبداء أي مبررات للرفض، مما يجعل الطفل يفقد الأمان، ويشعر بالتسلط والتعنت ضده، فيصبح غير قادراً على قول الحقيقة، مما يدفعه إلى الكذب، أو قول قصة غير حقيقية من وحي خياله، ويتطلب هذا السبب تعاملاً به مزيداً من الحكمة حتى لا يتفاقم الأمر.
تقليد الوالدين والأشخاص البالغين
يتأثر طفلك في مراحل نموه الأولى بأفعال الآخرين، خاصة الوالدين والأشخاص المقربين منه، والذي يقضون معه وقتاً طويلاً معه، وبالتالي يقوم بتقليدهم في الكثير من التصرفات بما فيها الكذب، وكثيراً من الأحيان قد تضطرين إلى الكذب على طفلك، مما يؤثر عليه بالسلب، كإيهامه بأنك ستأخذينه في نزهة صباحاً، ولكن في الحقيقة يتفاجئ أنه عند الطبيب أو في المدرسة، الأمر الذي يدفعه إلى الكذب للحصول على ما يرغب به.
الرغبة في شئ ما
يعتبر من الأسباب التي تستمر لفترات طويلة مع طفلك، فهو بطبيعة الحال يرغب في كثير من الأشياء، والتي قد ترينها غير مناسبة أو ليس بها أي منفعة له، وبالتالي يضطر طفلك إلى الكذب، وهو ما يُعرف بالكذب الغرضي، فعلى سبيل المثال قد يوهمك طفلك بحاجته إلى بعض المال لتزيين الفصل مع زملائه، وفي الحقيقة هو يريد شراء كرة ليلعب بها في الشارع، وفي كثير من الأحيان قد لا تدرين بالأمر، لهذا يتوجب عليكي مراقبة طفلك في تصرفاته وأفعاله.
الغيرة
تنتشر في كثير من الأحيان الغيرة بين الأطفال، وقد تطول طفلك تجاه أقرب الناس إليه، على سبيل المثال أحد أخوته، نظراً لاعتقاده أنكِ تهتمين به وتفضلينه عليه، فيتولد لديه شعور بالغيرة الشديدة، والتي قد تدفعه إلى الكذب عليك لجذب مزيداً من الاهتمام والرعاية، الأمر الذي يتطلب الموازنة في المعاملة بين الأطفال، والاهتمام بهم بنفس القدر.
العناد
الكذب قد يتولد لدى الطفل بسبب العناد، والذي يظهر كنتيجة للتعنت والرقابة الصارمة التي يقوم بها الوالدين، فيشعر الطفل بالرغبة في التحدي وكسر الأوامر وعدم تنفيذها، أي كانت العواقب، بل ويتعمد أن يرتكب الأخطاء، بالإضافة إلى هروبه من القيام ببعض الواجبات المفروضة عليه.
أنواع الكذب عند الأطفال
ترتبط أنواع الكذب ارتباطاً وثيقاً بأسبابه، حيث يعجز البعض عن الفصل أو التفرقة بينهم، ولكن الأسباب غالباً ما تنبع بسبب دوافع لدى الطفل، سواء كانت للحصول على منفعة ما، أو للهروب من العقاب، وغيرها من الدوافع، على عكس أنواعه التي تتسم بالبراءة والطفولة المطلقة، فسلوك طفلك يكون نابعاً من الفطرة البشرية، لهذا ستجدين الكذب يأخذ الأشكال التالية:
الكذب المرضي
الكذب المرضي أشهر أنواع الكذب التي يمارسها الطفل، ويعتبر الأمر خارج عن إرادته في كثير من الأحيان، وفي هذه الحالة قد تستشيرين طبيب نفسي يساعدك في حل تلك المشكلة، حيث يتحول الكذب من صفة ذميمة إلى مرض يجب التخلص منه في أسرع وقت، ويفشل معه الحلول الودية والنصائح وغيرها من الأساليب.
الخيال
يطلق عليه الكذب الالتباسي، حيث يعجز الطفل في مراحل نمو عقله الأولى عن التفرقة بين الخيال والحقيقة، حيث ينصح الأطباء تشغيل المسلسلات والأفلام الكرتونية بكثرة، والتي تنمي ذكاء الطفل وقدراته التخيلية، إلا أنه يقوم بالربط بين الواقع والخيال، فتجدين طفلك يصور لكِ أسداً يمشي في الشارع، أو أن هناك ديناصوراً يحلق في السماء، وغيرها من الأكاذيب الخيالية، وقد يدفعه الحاجة إلى الرعاية والاهتمام إلى خلق قصة من وحي خياله لجذب انتباهك.
النقد اللاذع
يتعرض الطفل في أوقات عدة إلى عدة مضايقات من خلال التعليقات التي يطرحها البعض بشأن تصرفاته الطفولية، بالإضافة إلى الألفاظ والمفردات السلبية التي تنسب إليه، وتؤثر بشكل كبير في نفسيته، فيستخدم الطفل أداة الكذب في الهروب من الواقع، وممارسة الأفعال التي يهواها بعيداً عن رقابتهم، وهذا يرجع في الأصل إلى عدم القدرة على التعامل مع الأطفال، والتي تتطلب الكثير من الوعي، والاستماع إلى قصصهم وتقييم تصرفاتهم من منظورهم، ليس من منظور الكبار.
التفاخر
قد تجدين طفلك يسعى إلى التفاخر بنفسه بين المحيطين والمقربين منه، وهو ما يعرف بالكذب الاجتماعي، وغالباً ما يعتمد طفلك على عدم قول الحقيقة كاملة، أو بمعنى آخر إخفاء جزءاً منها، فعلى سبيل المثال قد يوهم أصدقائه أن أباه قد اشترى له الكثير من الألعاب، ليظهر بصورة مختلفة بين زملائه اجتماعياً ومادياً وأسرياً، إلا أنه في الحقيقة قد حصل على لعبة واحدة فقط، وغالباً ما ينمو هذا النوع في مراحل الدراسة الأولى للطفل.
الانتقام
قد يرغب الطفل في بعض الأحيان أن ينتقم لنفسه من شخص ما، ويبدأ في تحضير كذبة يشبع بها رغبته، ليلحق الأذي بالشخص الذي أضر به، أو قد يكون السبب في الأساس هو الغيرة كما تحدثنا عنه سابقاً، ويقوم بعمل مكيدة قائمة على بعض الأكاذيب لينال هذا الشخص عقابه، سواء بالضرب أو التوبيخ، وهذا النوع من الكذب ينبغي التعامل معه بأقصى سرعة، حتى لا يزداد الأمر سوءاً في المستقبل.
طريقة كشف الكذب عند الأطفال
واحدة من المهارات الفطرية التي تتمتع بها بعض الأمهات، فهي ليست في حاجة إلى مؤشرات، يكفيها فقط أن تشعر بعدم صدق طفلها في حديثه، أو ملاحظة أنه لا يستطيع الكلام كما اعتاد معها، إلا أن هناك بعض الطرق والخطوات التي يمكن بها كشف كذب طفلك، وهي طرق فعالة وناجحة، يمكنك اتباعها إذا لم تتمتعي بتلك المواهب الفطرية، فكل ما عليكِ هو القيام بالآتي:
- النظر إلى ملامح وجه بطفلك بتمعن وتركيز، فالوجه المسترخي دليل كبير على صدق قوله، أما إذا كان العكس فتأكدي أنه يكذب في أمر ما.
- الإنصات بتركيز إلى القصة التي يحكيها الطفل، فإذا كانت كاذبة فلا محالة ستظهر بعض الأحداث المتناقضة.
- مراقبة لغة الجسد بشكل دقيق، وخاصة حركة الأكتاف ولمس الحواس، ومراقبة عينيه ما إذا كان يتجنب النظر إلى عينيكي.
- إعادة القصة مرة أخرى، وهي من الحيل التي قد تلجئين إليها، ففي حالة كانت القصة كاذبة فمن الصعب أن يعيد أحداثها كما سردها أول مرة.
- الحرص على ملاحظة ما إذا كان الطفل يتكلم بتلقائية أو لا.
علاج الكذب عند الأطفال
مشكلة الكذب عند الأطفال من السهل جداً التخلص منها، وتجنب عواقبها التي بالتأكيد ستتسبب في الكثير من المشاكل لكِ ولطفلك، وبالتالي ينبغي التعامل مع المشكلة بالكثير من الحرص والحكمة، واختيار طريقة العلاج المناسبة في المواقف المختلفة، فلا يجوز خلط الحابل بالنابل، فهذا قد يزيد الأمر سوءاً، ويعقد من المشكلة بدلاً من حلها، وتتمثل طرق العلاج المناسبة فيما يلي:
النصيحة المباشرة
تعتبر أكثر الطرق استخداماً في حل المشكلة، حيث يتوجب عليكِ توجيه النصيحة بشكل مباشر إلى طفلك، وشرح مدى أهمية الصدق في حياته، وكيف يمكن أن ينجو في كثير من المواقف الصعبة بواسطته، وعلى الجانب الآخر إظهار مدى مساوئ الكذب، وكيف يمكن أن يجعله مكروهاً بين أصدقائه في المدرسة، وبين جيرانه، وبين الأطفال الذين هم في نفس سنه. وغالباً ما تجدي هذه الطريقة نفعاً.
النصيحة غير المباشرة
واحدة من الطرق التي لها عدة مميزات تصب في مصلحة علاج طفلك من الكذب، الميزة الأولى هي أنك تبينين لطفلك معرفتك بموقف اضطر فيه إلى الكذب وهو متأكد من عدم معرفتك به، والميزة الثانية تتمثل في إمكانية تقديم النصيحة بالشكل الذي يرفع عنه الإحراج، وبالطريقة التي يفهم بها بينه وبين نفسه أنه قد أخطأ، ويبدأ تأنيب الضمير والذي يدفعه إلى عدم القيام بهذا مرة أخرى.
القدوة الحسنة
تعتبر من الحلول التي تعتمد على الوالدين معاً بشكل أساسي، إضافة إلى المحيطين به في كثير من الأوقات، فالطفل يبدأ في مراحل نموه الأولى بتقليد البالغين في تصرفاتهم، لذا يجب التصرف بحرص أمامه، والالتزام بمعايير الصدق والأخلاق المتعارف عليها، حتى لا ينشأ الطفل بعيداً عن البعد عنها، وهذا يقتضي مصارحة الطفل بما سيحدث في كثير من المواقف، حتى وإن كان سيعاني من ضرر ما.
الاحتواء
واحدة من الطرق التي إذا اتبعتها في معاملة طفلك ستتمكنين من التخلص من عدة أسباب تدفعه إلى الكذب، فالخوف من العقاب والاضطهاد والغيرة كلها أسباب يرجع أصلها غياب الدفء والاحتواء والأمان، وهذه مهتمك الأولى في التخلص من أسباب الكذب التي يعاني منها طفلك، فيجب تعزيز ثقافة الحوار مع أطفالك، ومنحهم بعض المساحة والحرية في التعبير عن الرأي، وفتح باب المناقشة معهم في كثير من الأمور، فهذا يساعد على تنمية غريزة الثقة والحب، ويدفعهم إلى تحري الصدق في كل كلامهم.
عدم المبالغة في العقاب
المبالغة في العقاب من أكثر الأسباب التي تدفع بالطفل إلى الكذب، ولكن هذا لا يعني ألا يعاقب، بل يتوجب معاقبته ولكن بنوع من الحكمة، فعليكِ الابتعاد عن العنف الجسدي والعنف اللفظي، إضافة إلى التحقير والسخرية منه، فهذا لن يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيداً، يكفيكِ حرمانه من الهاتف الذكي لبعض الوقت، أو إلزامه ببعض الواجبات المنزلية أو الشخصية الإضافية.
نصائح لتجنب مشكلة الكذب عند الأطفال
تستطيعين بمنتهى السهولة تجنب مشكلة كذب طفلك في كثير من المواقف، من خلال التحكم به وتشكيل شخصيته بالشكل الذي ترغبين به، مع منحه مساحة كافية يستطيع فيها إكمال تلك الشخصية، حسب المفردات والصفات التي يرغب بها، بمعنى آخر أنه أشبه بقطعة الصلصال في مراحل نموه الأولى، والتي تسمح لكي بتشكيلها كما تريدين، وبالطبع لا ترغبين في أن يكون الكذب هو نهج حياته، ويمكن تحقيق هدفك من خلال قيامك بالآتي:
- انصتي بانتباه إلى كل ما يقوله طفلك، حتى وإن كان تافهاً من وجهة نظرك.
- إذا كنتِ ترغبين في معرفة شئ ما من طفلك، حاولي قدر الإمكان أن تكون طريقة السؤال ودودة ولطيفة.
- اهتمي بالجانب الديني قدر الإمكان، فالتربية على الأخلاق الحميدة بصفة عامة تبدأ من الصغر.
- تجنبي تجريح طفلك بالألفاظ النابية والألقاب السيئة، التي تشعره بالخجل والضيق، وتدفعه إلى الكذب لتحسين صورته أمامك.
- حافظي دوماً على ثناء طفلك في حالة القيام بسلوك جيد، مما يساعد على تعزيز ثقته بنفسه.
- اهتمي باختيار أصدقاء طفلك بعناية، وتعرفي عليهم حتى يستطيع طفلك تجنب السيئين منهم.
هل الكذب عند الأطفال مؤشر يدعو إلى الخطورة؟
بالتأكيد يرد هذا السؤال في وحي خيالك بعد سرد الأسباب التي تدفع بابنك إلى الكذب، ولكن اطمئني، فقد أثبتت النتائج العلمية التي أجريت مؤخراً على أن الأطفال الكاذبون هم أكثر ذكاءاً من أقرانهم، وهذا ما أكدته نتيجة التجربة العلمية التي أجريت على 135 طفلاً، يبلغ أعمارهم 6 أو 7 سنوات، حيث تم توزيع أوراق اللعب على الأطفال، وترك لهم مساحة لرؤية أوراق زملائهم، وبالطبع لم يدركوا وجود كاميرا تراقبهم، تم سؤالهم هل نظروا إلى أوراق منافسيهم بالفعل أم لا، واستنتج الباحثون أن المعترفين بذلك هم أقل ذكاءاً عمن أنكروا نفس الأمر، حيث رأى العلماء القائمين على الدراسة أن الكذب يتطلب درجة كبيرة من الذكاء والذاكرة القوية والخيال الواسع، والذي يمنحهم التفوق في الخروج من أي مأزق مهما كان.
وينصح بعدم عقاب الأطفال عندما يكذبون، فمعرفة أنهم لن يعاقبوا تدفعهم إلى قول الحقيقة باستمرار، أما اتباع العنف الجسدي واللفظي يدفع الطفل إلى إطلاق العنان لخياله في الكذب، وقد يتحول الأمر إلى حالة مرضية، كما ذكرنا سابقاً.
والآن بعد التعرف على أسباب الكذب عند الأطفال تستطيعين التعامل مع طفلك بهذا الشأن بكثير من الحكمة، فقد أصبح لديكِ كم هائل من المعلومات التي تمكنك من احتواء الموقف بمنتهى السهولة، ولن تحملي عبء هذه المشكلة بعد إيجاد الكثير من الحلول المختلفة لها، وعليكِ أن تحظي بقليل من السعادة، فالكذب هو مؤشر للذكاء، ولكن إذا قمتِ بترويض طفلك، وتعليمه أن الصدق منجاة بالطبع سيعلم طريقه الصحيح.